04 - 05 - 2025

حكايات فنية يكتبها: طاهـر البهـي | عندما يغضب سليمان بك نجيب!

حكايات فنية يكتبها: طاهـر البهـي | عندما يغضب سليمان بك نجيب!

كثيرة هي قصص أهل الفن التي تحمل المتعة والإثارة وأيضا الكثير من العبر! 

وقد توقفت طويلا أمام سيرة الفنان الفذ سليمان بك نجيب ذلك القنصل الذي كتب يومياته تحت عنوان مثير "مذكرات عربجي" ، كان في الأصل مقالات نشرتها له الصحف بتوقيع مستعار، ورغم قربه من القصر؛ إلا أنه كان منحازا للفقراء والمهمشين 

سبق وأن تحدثت عنه عدة مرات وكنت أتعرض إلى حياته الخاصة غريبة الأطوار؛ ولكني كنت معه في بساطته وتلقائيته على طول الحديث، معجبا بثراء المشوار وصدق العطاء؛ فمن يعرف أنه هو الذي تولى نجمة كبيرة هي تحية كاريوكا، وأنه هو الذي علمها رقصة الكاريوكا ومن ثم ساهم على منحها هذا الإسم الذي عرفت به، وكان يؤدي أمامها الرقصة وهي تكرر حركاته، تخيلوا معي هذا البيه الذي أوشك على قنص لقب أعلى هو "الباشا" وباعدت بينه وبين اللقب إلى الأبد ثورة يوليو 1952 المجيدة، تخيلوه وهو يلف ذراعه حول وسطه، رافعا الذراع الأخرى مستديرا بجسده الرشيق.

لم يكن هذا هو كل ما توقفت عنه في قصة حياة فنان من الكبار جدا في عالم التمثيل، طلبته أم كلثوم وعبد الوهاب في تجاربهما التمثيلية الأولى ليشاركهما البطولة ويستفيدا من نصائحه الصادقة، فقد كان معطاء بطبعه ، في الوقت الذي كان فيه مقربا من الملك فاروق قربا حقيقيا وليس تملقا ولا استجداء؛ نظرا لعائلته البورجوازية، لكن استوقفني أيضا أنه كان عصبيا "نرفز"، والجميل فيه أنه كان يعرف عن نفسه ذلك ويلوم نفسه بل يوبخها على انفلات أعصابه، من المشاهد التي نذكرها في السياق؛ عندما نزل من شقته الكائنة في البناية رقم 88 شارع قصر العيني، وكان يرتدي زيا رياضيا عبارة عن تي شيرت أبيض وشورت أبيض وحذاء رياضي أبيض، لكم أن تتخلوا الطاقم ناصع البياض، كان في طريقه إلى النادي الأهلي للعب مباريات في التنس، وعند باب العمارة ومع اقترابه من الرصيف، احتك به أحد المارة، ودون قصد دهس قدمه، وبالتحديد الحذاء الأبيض؛ ليقضي علىى كل هذه الأناقة، فانطلق سليمان "بك" في دفعات من الشتائم المتتالية، وهنا فعل الرجل ما لم يتوقعه بعد أن تعرف عليه، قال الرجل: " ليه كدة يا سليمان بك.. ده أنا بحبك وعلى طول بتفرج على أفلامك"!!

وكأن الفنان الجميل عاد إلى صوابه، ففعل ما لم يفعله غيره؛ إذ انطلق يسب نفسه: " الله يخرب بيتي.. هو أنا على طول لساني متبري مني ..أنا قليل الرباية.. واستمر فيما لا نستطيع أن نكرره!!

وختمها موجها حديثه إلى الرجل: هات يا عم راسك أبوسها.. روح الله يسهلك.. 

أن سليمان نجيب شخص شديد العصبية وسريع الإنفعال، وفي المقابل كان شديد اللوم لنفسه والاعتذار للآخرين.

عزف سليمان نجيب عن الزواج بسبب عدم رغبته في القيد بوجود زوجة وأبناء، ومات ورصيده بالبنك 285 جنيها، وكان يحب الاستمتاع بحياته، لدرجة رفضه التجديد له في منصب رئيس دار الأوبرا المصرية، بسبب رغبته في السفر، كما كان يحب إقامة ولائم طعام لأصدقائه، وكان من ضيوفه المطرب فريد الأطرش الذي كان منافسا له في الكرم وكان سليمان نجيب يطهو بنفسه بسبب حبه للمطبخ، وكتب في وصيته شقته وميراثه للسائق والطباخ.

كان عاشقا للحياة، لم يبخل على نفسه، حيث اعتاد السفر إلى أوروبا كل عام، وفي أواخر أيامه لم يكن يمتلك القدرة على السفر بسبب قلة أعماله الفنية، واضطر للحصول على قرض من البنك لكي يسافر ويستمتع بإجازته ولا يلوم نفسه حتى وان اقترض، لأنه كان موقنا أن السينما سوف تعود إليه.